حب برائحة الدخان-لحسن إفركان-المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

حب برائحة الدخان

  لحسن إفركان    

حل المساء وبدأت ذاكرته ترحل نحو فصول الماضي، كل ما تبقى له منها غرفة تطل نافذتها على الشارع الرئيس للمدينة. لا يفتحها إلا إذا حنّ إلى عالم يقول عنه، هو اجتماعي للأسف، يضيع فيه تفكيره بين أمواج السيارات والأنهار البشرية. فتح درج المكتب المغلق بإحكام. وانتقى مذكراته بعناية.هي عنده تراث نفيس جدا. مذكراته نصوص مقدسة يرتل وِردها كل مساء. الليلة سيقرأ فصلين ونصف قصيدة.
1-
حدث ذلك عندما كنتُ جالسا بحديقة باب الرب، أملأ خانات الكلمات المسهمة. فهي كل ما يبدو مسليا وحقيقيا من جرائد بلادي. لم انتبه أن الجالسة بقربي أنت، ولكي انتبه قلت بصوت مهموس مثير:
-    أنت ماهر في ملء الفراغات.
-    وفي إفراغ المملوء كذلك.
لمحتُ في عينيك تعجبا ممزوجا بشيء من الأنانية الطيبة، فقلتِ:
-    التعامل معك صعب، لا أدري كيف ستكون حياتك مع زوجتك.
لم أكن أود الإجابة، لكني أراهن أن عينيك العسليتين، وشعرك الحريري الأسود، ويديك الناعمتين وجسدك الملائكي، واستراتيجيتك في المحاورة. فرضت علي الكلام وتركت القلم ضائعا بين الكلمات الموجهة.
تواعدنا مرارا والتقينا مرات، أطعمنا الحمام معا. وركبنا الدراجات الهوائية لنطوف المدينة معا. أكلنا المثلجات معا ، وسافرنا إلى كل المدن. وفي كل مرة كنت تقولين: أشكر الرب الذي لاقاني بك في باب الرب. وكنت أجيب، بل اشكري جرائد بلادي. وابعثي برسالة لمدير الجريدة كي يعوض تلك الأعمدة الخاوية والأخبار التي لا نعلم صحتها من كذبها بكلمات مسهمة.
2-
قرب العطر المنساب على فراش الذكريات الرث، تنمو أحلام واهية كالخطوط التي لا طول ولا سمك لها. تطوقني وتخنقني كلما حاولت الانفلات. في ليلة فقدت الاتصال بك. ولم تفلح تحركاتي وبحثي الدائم في إيجادك. وفقدت كل أمل عندما وصلتني منك رسالة قصيرة تقول: اسمح لي فعلا كنت أحبك. وأنا الآن استعد للسفر إلى أوربا مع عجوز سويسري التقيته في مطعم السمك الشعبي، في ذاك الليل نسيت فيه من أي انتماء أنا. نسيت مقامراته الفاشلة وخذلانه الأبدي وعقوق الزمن. شعور غريب ازدادت رتابته بدواخلي. ألم تعديني بعالم نشتهيه كلما أدمناه؟ لم نتوقع هذا عندما قررنا الارتباط، الحب الطفولي والورود، ....؟
لم يكد ينهي الفصل الثاني حتى نما في دواخله صراخ شديد، بكى في صمت، وقال: سأحمل وجعي من أجل الحب، ونصف القصيدة تقول:
هذا أنا
إنسان من ماء ودماء
حروف النار والنور
أرتل سور الماضي
متعب أنا
كالليل اترنح متعبا
كضوء النجم أبدو بعيدا بعيدا...
 شرب كأس نبيذ أحمر، و في سرعة حمل سكينا وعلى المائدة وضع قلبه وقطعه شلوا شلوا، وفي سرعة اجتمعت أشلاؤه هو، راسمة صورة الوطن وقليلا منها: ربابة حبيبة بين قارتين.



 
  لحسن إفركان-المغرب (2013-12-30)
Partager

تعليقات:
elmokhtar /maroc 2014-01-09
وتستمر الحياة
البريد الإلكتروني : mokhtar_mokhar@live.fr

hanane atif /tanant 2014-01-01
سلمت أناملك الذهبية التي عودتنا على غالي الكلمات وأثمنها ...
مبدع كالعادة .. وننتظر المزيد القريب ..
البريد الإلكتروني : houd_2001@hotmail.fr

chadia /maroc 2013-12-31
دمت على قيد الابداع أستاذ لحسن..
البريد الإلكتروني : chadiaerramy@gmail.com

imad /maroc 2013-12-31
كلام ليس كمثله كلام ومعان تبقي في العقل فضولاً

جميل جداً

وفقك الله ...
البريد الإلكتروني : samaty100@live.fr

mohamed elmansoury /maroc 2013-12-31
tabrak lah fik yo osstadi l3zize kam hdihi l9iassa jamila jidan wlakin anta man abda3ah inaka ajmal biktir ya ostadi atamana laka twfi9 wnajah
البريد الإلكتروني : simo201073@live.fr

hafousa el /tanant 2013-12-30
فعلا استاذ دو امكانات عالية وتعبير رائع و لدا نطلق عليه دائما لحسن افركان ملهم النفوس في خمس دقائق
البريد الإلكتروني : fati.lol@outlook.com

hanane /maroc 2013-12-30
جيد استاذي. فعلا قصة تستحق الاعجاب.اذ تحكي لنا عن بعض الوقائع الملحوظة في حياتنا اليومية.
البريد الإلكتروني : hanita_2001@hotmail.com

أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

حب برائحة الدخان-لحسن إفركان-المغرب

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia